فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.المسألة الثالثة: قَوْلُهُ: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ}:

وَهَذِهِ الْوَصِيَّةُ هِيَ الْعُمْدَةُ الَّتِي يَكُونُ مَعَهَا النَّصْرُ، وَيَظْهَرُ بِهَا الْحَقُّ، وَيُسْلِمُ مَعَهَا الْقَلْبُ، وَتَسْتَمِرُّ مَعَهَا عَلَى الِاسْتِقَامَةِ الْجَوَارِحُ؛ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ عَمَلُ الْمَرْءِ كُلُّهُ بِالطَّاعَةِ فِي امْتِثَالِ الْأَمْرِ وَاجْتِنَابِ النَّهْيِ، فَإِنَّمَا يُقَاتِلُ الْمُسْلِمُونَ بِأَعْمَالِهِمْ لَا بِأَعْدَادِهِمْ، وَبِاعْتِقَادِهِمْ لَا بِأَمْدَادِهِمْ؛ فَلَقَدْ فَتَحَ اللَّهُ الْفُتُوحَ عَلَى قَوْمٍ كَانَتْ حِلْيَةُ سُيُوفِهِمْ إلَّا الْغَلَّابِيّ.
وَلِذَلِكَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّمَا تُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ.
إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الطَّاقَةَ فِي الطَّاعَةِ، وَالْمِنَّةَ فِي الْهِدَايَةِ.

.المسألة الرابعة: قَوْلُهُ: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا}:

وَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي الْمَعْقُولِ وَالْمَشْرُوعِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْقُوَّةَ لِيُظْهِرَ بِهَا الْأَفْعَالَ، وَقُدْرَتُهُ سُبْحَانَهُ وَاحِدَةٌ تَعُمُّ الْمَقْدُورَاتِ، وَقُدَرُ الْخَلْقِ حَادِثَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْمَقْدُورَاتِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا وَأَجْرَى اللَّهُ الْعَادَةَ بِأَنَّ الْقُدْرَةَ إذَا كَثُرَتْ عَلَى رَأْيِ قَوْمٍ أَوْ بَقِيَتْ عَلَى رَأْيِ آخَرِينَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْأُصُولِ ظَهَرَ الْمَقْدُورُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقُدْرَةِ إنْ كَانَ كَثِيرًا فَكَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا فَقَلِيلًا، وَكَذَلِكَ تَظْهَرُ الْمَفْعُولَاتُ بِحَسَبِ مَا يُلْقِي اللَّهُ فِي الْقُلُوبِ مِنْ الطُّمَأْنِينَةِ، فَإِذَا ائْتَلَفَتْ الْقُلُوبُ عَلَى الْأَمْرِ اسْتَتَبَّ وُجُودُهُ، وَاسْتَمَرَّ مَرِيرُهُ، وَإِذَا تَخَلْخَلَ الْقَلْبُ قَصُرَ عَنْ النَّظَرِ، وَضَعُفَتْ الْحَوَاسُّ عَنْ الْقَبُولِ، وَالِائْتِلَافُ طُمَأْنِينَةٌ لِلنَّفْسِ، وَقُوَّةٌ لِلْقَلْبِ، وَالِاخْتِلَافُ إضْعَافٌ لَهُ؛ فَتُضَعَّفُ الْحَوَاسُّ، فَتَقْعُدُ عَنْ الْمَطْلُوبِ، فَيَفُوتُ الْغَرَضُ؛ وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}، وَكَنَّى بِالرِّيحِ عَنْ اطِّرَادِ الْأَمْرِ وَمُضَائِهِ بِحُكْمِ اسْتِمْرَارِ الْقُوَّةِ فِيهِ وَالْعَزِيمَةِ عَلَيْهِ، وَأَتْبَعَ ذَلِكَ بِالْأَمْرِ بِالصَّبْرِ الَّذِي يَبْلُغُ الْعَبْدُ بِهِ إلَى كُلِّ أَمْرٍ مُتَعَذِّرٍ بِوَعْدِهِ الصَّادِقِ فِي أَنَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ. اهـ.

.قال السمرقندي:

{وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ} فيما يأمركم من القتال.
{وَلاَ تنازعوا}، يعني لا تختلفوا فيما بينكم، {فَتَفْشَلُواْ}؛ يعني فتجبنوا من عدوكم، {وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}.
قال مجاهد: يعني نصرتكم، وذهب ريحهم يوم أُحد حين نازعتموه؛ وقال الأخفش: يعني دولتكم؛ وقال قتادة: ريح الحرب.
وأصله في اللغة تستعمل في الدولة، ويقال الريح له اليوم يراد به الدولة.
ثم قال: {واصبروا}، يعني لقتال عدوكم.
{إِنَّ الله مَعَ الصابرين}، يعني معين لهم وناصرهم. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ}
ولا تختلفوا {فَتَفْشَلُواْ} أي تخسروا وتضعفوا.
وقال الحسن: فتفشلوا بكسر الشين {وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} قال مجاهد: نصركم وذهبت ريح أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حين نازعوه يوم أُحد.
وقال السدي: جماعتكم وحدتكم، وقال مقاتل: حياتكم، وقال عطاء: جَلَدكم.
وقال يمان: غَلَبَتكم، وقال النضر بن شميل: قوتكم، وقال الأخفش: دولتكم، وقال ابن زيد: هو ريح النصر لم يكن نصر قط إلاّ بريح يبعثه الله في وجوه العدو، فإذا كان كذلك لم يكن لهم قوام، ومنه قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «نصرت بالصّبا وأهلكت عاد بالدّبور».
يقال للرجل إذا أقبلت الدنيا عليه بما يهواه: الريح اليوم لفلان.
قال عبيد بن الأبرص:
كما حميناك يوم النعف من شطب ** والفضل للقوم من ريح ومن عدد

وقال الشاعر:
يا صاحبي ألا لا حي بالوادي ** إلا عبيد وأم بين أذواد

أتنتظران قليلًا ريث غفلتهم ** أو تعدوان فإن الريح للعادي

أنشدني أبو القاسم المذكور قال: أنشدني أبا نصر بن منصور الكرجي الكاتب:
إذا هبت رياحك فاغتنمها ** فإن لكلّ خافقة سكون

ولا يغفل عن الإحسان فيها ** فما تدري السكون متى يكون

قوله تعالى: {واصبروا إِنَّ الله مَعَ الصابرين}. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {... وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ}
والفشل هو التقاعد عن القتال جبنًا.
{وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: يريد بالريح القوة، وضرب الريح لها مثلًا.
والثاني: يريد بالريح الدولة. ومعناه فتذهب دولتكم، قاله أبو عبيدة.
والثالث: يريد ريح النصر التي يرسلها الله عز وجل لنصر أوليائه وهلاك أعدائه قاله قتادة وابن زيد.
ويحتمل رابعًا، أن الريح الهيبة، وريح القوم هيبتهم التي تتقدمهم كتقدم الريح. ويكون معنى الكلام. فتذهب ريحكم وهيبتكم. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله: {وأطيعوا الله ورسوله} الآية استمرار على الوصية لهم والأخذ على أيديهم في اختلافهم في أمر بدر وتنازعهم، و{تفشلوا} نصب بالفاء في جواب النهي، قال أبو حاتم في كتاب عن إبراهيم {فتفشِلو} بكسر الشين وهذا غير معروف وقرأ جمهور الناس {وتذهبَ} بالتاء من فوق ونصب الباء، وقرأ هبيرة عن حفص عن عاصم {وتذهبْ ريحكم} بالتاء وجزم الباء، وقرأ عيسى بن عمر {ويذهبْ} بالياء من تحت وبجزم يذهب، وقرأ أبو حيوة {ويذهبَ} بالياء من تحت ونصب الباء، ورواها أبان وعصمة عن عاصم، والجمهور على أن الريح هنا مستعارة والمراد بها النصر والقوة كما تقول: الريح لفلان إذا كان غالبًا في أمر، ومن هذا المعنى قول الشاعر وهو عبيد بن الأبرص: [البسيط]
كما حميناك يوم العنف من شطبٍ ** والفضل للقوم من ريح ومن عدد

وقال مجاهد: الريح النصر والقوة، وذهبت ريح أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حين نازعوه يوم أحد، وقال زيد بن علي {وتذهب ريحكم} معناه الرعب من قلوب عدوكم.
قال القاضي أبو محمد: وهذا حسن بشرط أن يعلم العدو بالتنازع، وإذا لم يعلم فالذاهب قوة المتنازعين فيهزمون، وقال شاعر الأنصار: [البسيط]
قد عوَّدَتْهمْ ظباهم أن تكونَ لهمْ ** ريحُ القتالِ وأسلابُ الذين لقوا

ومن استعارة الريح قول الآخر: [الوافر]
إذا هبت رياحك فاغتنمها ** فإن لكل عاصفة سكون

وهذا كثير مستعمل وقال ابن زيد وغيره: الريح على بابها، وروي أن النصر لم يكن قط إلا بريح تهب فتضرب في وجوه الكفار، واستند بعضهم في هذه المقالة إلى قوله صلى الله عليه وسلم: «نصرت بالصبا» وقال الحكم {وتذهب ريحكم} يعني الصبا إذ بها نصر محمد صلى الله عليه وسلم وأمته.
قال القاضي أبو محمد: وهذا إنما كان في غزوة الخندق خاصة، وقوله: {واصبروا} إلى آخر الآية، تتميم في الوصية وعدة مؤنسة. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ولا تنازعوا فتفشلوا}
قد سبق ذكر التنازع والفشل آنفا.
قوله تعالى: {وتذهب ريحكم}
وروى أبان: {ويذهبْ} بالياء والجزم.
وفيه أربعة أقوال:
أحدها: تذهب شدَّتكم، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
وقال السدي: حِدَّتكم وجدُّكم.
وقال الزجاج: صولتكم وقوتكم.
والثاني: يذهب نصركم، قاله مجاهد، وقتادة.
والثالث: تتقطَّع دولتكم، قاله أبو عبيدة.
وقال ابن قتيبة: يقال: هبَّت له ريح النصر إذا كانت له الدولة.
ويقال: له الريح اليوم، أي: الدولة.
والرابع: أنها ريح حقيقة، ولم يكن نصر قط إلا بريح يبعثها الله فتضرب وجوه العدو؛ ومنه قوله عليه السلام: «نُصِرتُ بالصَّبا، وأُهْلِكتْ عادٌ بالدَّبور» وهذا قول ابن زيد، ومقاتل. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ}
هذا استمرار على الوصية لهم، والأخذ على أيديهم في اختلافهم في أمر بَدْر وتنازعهم.
{فَتَفْشَلُواْ} نصب بالفاء في جواب النهي.
ولا يُجيز سيبويه حذف الفاء والجزم وأجازه الكسائيّ.
وقرئ {تَفْشِلوا} بكسر الشين.
وهو غير معروف.
{وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} أي قوتكم ونصركم؛ كما تقول: الريح لفلان، إذا كان غالبًا في الأمر.
قال الشاعر:
إذا هَبّت رياحك فاغتنمها ** فإن لكل خافقة سكون

وقال قتادة وابن زيد: إنه لم يكن نصر قطّ إلا بريح تُهبُّ فتضرب في وجوه الكفار.
ومنه قوله عليه السلام: «نُصرتُ بالصَّبا وأهلكت عاد بالدَّبور» قال الحكم: {وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} يعني الصَّبا؛ إذ بها نصر محمد عليه الصلاة والسلام وأمّتهُ.
وقال مجاهد: وذهبت ريح أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حين نازعوه يوم أُحد.
قوله تعالى: {واصبروا إِنَّ الله مَعَ الصابرين} أمر بالصبر، وهو محمود في كل المواطن وخاصّةً موطن الحرب؛ كما قال: {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فاثبتوا} [الأنفال: 45]. اهـ.

.قال الخازن:

{وأطيعوا الله ورسوله} يعني في أمر الجهاد والثبات عند لقاء العدو {ولا تنازعوا فتفشلوا} يعني: ولا تختلفوا فإن التنازع والأختلاف يوجب الفشل والضعف والجبن.
وقوله تعالى: {وتذهب ريحكم} يعني قوتكم.
وقال مجاهد: نصرتكم.
قال: وذهبت ريح أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حين نازعوه يوم أحد.
وقال السدي: جراءتكم وجدكم وقال مقاتل: حدتكم وقال الأخفش وأبو عبيدة: دولتكم.
والريح هنا كناية في نفاذ الأمر وجريانه على المراد.
تقول العرب: هبت ريح فلان إذا أقبل أمره على ما يريد وقال قتادة وابن زيد: هي ريح النصر ولم يكن نصر قط إلا بريح يبعثها الله تعالى تضرب وجوه العدو، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور.
وعن النعمان بن مقرن قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان إذا لم يقاتل من أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس وتهب الرياح وينزل النصر أخرجه أبو داود.
وقوله سبحانه وتعالى: {واصبروا} يعني عند لقاء عدوكم ولا تنهزموا عنهم {إن الله مع الصابرين} يعني بالنصر والمعونة (ق).
عن عبد الله بن أبي أوفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها العدو انتظر حتى إذا مالت الشمس قام فيهم فقال: أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو وأسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم».
(ق) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تتمنوا لقاء العدو فإذا لقيتموهم فاصبروا». اهـ.